الخميس، 27 يناير 2011

المستور مفضوح


يخطئ من يظن أن إقدام قناة الجزيرة الفضائية، وفقا لتحقيق "الوعد" المعلن عنه، على نشر ما قيل أنه محاضر الاجتماعات التفاوضية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، على شاشة القناة في حصاد اليوم، لمساء الأحد الموافق 23 ـ كانون الثاني ـ 2011م، كان قرارا مهنيا، أو سبقا صحفيا، من نوع ما درج الاحتفاء به. وذلك لأن من يعرف قناة الجزيرة، ويحلل خطها التحريري، ويدرك موقع فلسطين منها، وقبل ذلك قد اطلع على ظروف نشأتها وحكاية صعودها، يتولد لديه رأي؛ مفاده ما يلي:

إن قرارا من هذا النوع كان سياسيا بامتياز، قد يكون حسمه الديوان الأميري، وتم التداول فيه على مستوى مجلس الإدارة المكون من سبعة أشخاص فقط، لتدارس كيفية تسويقه إعلاميا، على الشكل الذي بدا فيه، كشفا للمستور كما وصفته الفضائية، بعد أن نقله إليهم الوسيط بين الديوان الأميري، وقناة الجزيرة، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، الذي يتولى مهمة الإدارة السياسية الفعلية للقناة، رئيسا لمجلس الإدارة، ويرابط بمكتب إلى جوار مكتب المدير العام للشبكة، السيد وضاح خنفر.

تعتبر قناة الجزيرة، القضية الفلسطينية رافعة لمادتها الإعلامية ككل، ولو لم تتبن هذا الخط التحريري المنغمس في أدق التفاصيل الفلسطينية، لما نالت الجزيرة شهرتها وثقتها التي نالتها، على الصعيد العربي والدولي، بيد أنها تستخدم اليوم قوة تأثيرها الإعلامي، للتأثير السياسي، وفقا لأجندة نظنها أميرية، وليس كل الظن إثما.

إن الحالة الفلسطينية المتشابكة في تعقيداتها، قد تفترض احتمالا، يقول أن سلسلة كشف المستور، التي هي في باطنها هتك عرض سياسي للسلطة، من ناحية التوقيت على أقل تقدير، وتدلل على اتخاذ خطوة سياسية مندفعة، في محاولة للتحريض بانقلاب على القيادة الفلسطينية، ممثلة بالرئيس محمـود عبــاس، أو الضغط عليه، مما قد يدفع به للاحتماء بالرمضاء الأمريكية من نار الجزيرة القطرية، سيما وأن المسألة، قد جاءت في وقت التمنع التفاوضي الفلسطيني، والتحريض على السلطة ومنظمة التحرير وشخص الرئيس، والتلويح المبطن بحماس كبديل.

لا يعتقد أحد خاطئا، أن قناة الجزيرة قد استمرأت على القيادة الفلسطينية، إن صح القول، من باب النشوة بما حققته فقط، أو ساهمت في تحقيقه في تونس، التي ترافق سقوط نظامها مع حملة تغطية إعلامية بدت انتقامية لقناة الجزيرة. وذلك أنه وحسب ما يمكن التقاطه من ملاحظات، فإن إعداد التقارير لهذه الحملة، قد بدأ في شهر تشرين الثاني 2010م، أو بداية كانون الأول 2010م، على أقل تقدير، أي قبل اندلاع شرارة المواجهات التونسية، وهو ما دلل عليه انتداب مراسلهم في واشنطن ناصر الحسيني، موفدا إلى فلسطين في تلك الفترة .. بل؛ يبدو أن التوقيت كان مؤجلا من بداية الشهر الحالي إلى آخره، نظرا لطغيان الحدث التونسي.

إن عملية النشر بالطريقة التي تمت به في اليوم الأول، للبث في البرنامج الذي اختير اسمه، ككشف المستور، وما صاحبه من تسخير إمكانيات رهيبة، على المستوى التقني والالكتروني والدعائي والبشري، من خلال نوعية الضيوف المستقدمين من الخارج، كما شاهدناهم في الأستوديو يوم الأحد والاثنين، بدت وكأنها تهدف إلى عملية تثوير عاطفي للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، بالإضافة إلى الشارعين العربي والإسلامي، ضد م.ت.ف، وعليه فإن أي معالجة من القيادة الفلسطينية، يجب أن تستهدف التوضيح للرأي العام، خلال الرد على المنشور.

ـ كيف يتم التصرف في التغطية؟ومن نافلة القول، أنه وفي حال نجاح قناة الجزيرة، في تعبئة الشارع الفلسطيني والشارع العربي ولو جزئيا، حول المثار حول المفاوضات من مغالطات كما يؤكد المعنيون الفلسطينيون بالتفاوض، فإن ذلك سيمثل إشغالا جديدا للشارع العربي، بموضوع عاطفي وقومي عنوانه فلسطين، مما يخفف الضغط على بعض الأنظمة، وهو ما لا تريده الجزيرة بالمناسبة ولكن الحكاية مفهرسة بالأولويات على ما يبدو. وفي هذا الخضم يلاحظ أحدنا ما يلي:

يستحيل على قناة الجزيرة أن تنشر معلومة ثبت بطلانها، ثم تنشر ما ينفيها أو ما يدحضها، إذ يشكل لها ذلك أزمة مصداقية، بل إن الراجح بحكم التجربة، أن القناة مستعدة للتصدي بأي وسيلة لهذا الأمر، دون الرضوخ للتراجع عن خطأ وقع .. وعليه لا يتوقع أحد أن تعتذر أو تتراجع قناة الجزيرة عما بدأته، مهما تم الضغط عليها، لأنها ستكمله.

قد تبدو هناك مساومة سياسية، أو طريق ما يراد للقيادة الفلسطينية أن تسلكه، كما يردد البعض من المشتغلين بالسياسة الفلسطينية، دون خيار إلا بالهروب نحو الأمام، وهو ما يجب التيقظ له.

جنبت قناة الجزيرة إشراك مراسليها من الضفة الغربية في التغطية الإعلامية، تحاشيا لأي ردة فعل فلسطينية قد تولد ضغطا على مكتب القناة، وقد فعلت حسنا قوات الأمن الفلسطينية بحماية مكتب الجزيرة في رام الله، من اعتداء متهور، لا يخدم أحدا بقدر ما يضر.

لم تنشر قناة الجزيرة عمليا مسودة اتفاقية واحدة، تؤكد الكلام المثار حول القدس أو اللاجئين، ولكنها حاولت النقش في ذهنية المشاهدين أن السلطة الفلسطينية، قد فرطت في حقوق هي وقف إسلامي في القدس، وحقوق أخرى هي ملك أفراد كحق العودة. كما استعانت قناة الجزيرة برواية معدة سلفا، حاولت تمريرها وتثبيتها بالتكرار، دون أن تلتزم بما قاله د. صائب عريقات، على سبيل المثال، نفيا لما قيل، كدحضه مسألة تبادل الأراضي، والنسبة المزعومة من 1 ـ 50، التي بقيت الجزيرة ترددها رغم نفيها فلسطينيا، وعرض خرائط إسرائيلية على أنها فلسطينية كما قال عريقات، وإدعاء التنازل عن الحي اليهودي وحي الأرمن. بالإضافة إلى محاولة الجزيرة زج عموم المترادفات في المتناقضات، الشيء الذي لو تشبث كل طرف بموقفه منه، فإنه يصلح أن يكون دعوى قضائية من العيار الثقيل، على قناة الجزيرة.

وفي موضوع آخر، سوقت قناة الجزيرة العرض الإسرائيلي القديم حول اللاجئين بعودة 10000 لاجئ سنويا على مدار عشر سنوات، على أنه عرض فلسطيني، وهو ما كان الرأي العام الفلسطيني مطلعا عليه، في وقت سابق، على أنه فكرة إسرائيلية، بعدما رفضته القيادة الفلسطينية. في حين لم تقدم الجزيرة إجابة حول سبب عدم التوقيع الفلسطيني، على اتفاقية تنازل في ظل كل هذه العروض السخية للجانب الإسرائيلي، الذي بدا متعززا عن التوقيع وفقا للوثائق المعلنة في الجزيرة.

ـ أين وقعت الجزيرة في مطب المهنية؟وفي قصة ذات صلة، فإن التركيز الواضح في تغطية قناة الجزيرة، كما يقول ذوو الإطلاع بالشأن التفاوضي، على أسلوب الاجتزاء في المواضيع المنتقاة التي تمثل إدانة للمفاوض الفلسطيني، يعتبر وسيلة للخلط على المشاهد وتغريره، إن صح، وهو ما له ضوابط مهنية ترفضه .. ويمكن هنا اختصار أهم الأخطاء، التي ما كان لمؤسسة عريقة، مثل قناة الجزيرة أن تقع فيها، لما لها من مكانة يجب تعلو بها، لا أن تتدنى، وهي على النحو الآتي:

أوقعت الجزيرة نفسها في خطأ فادح، كطرف في خصومة، عندما اختارت عنوان السلسلة البرامجية، (كشف المستور) في عرض الوثائق التي حصلت عليها، وكان يجب بالمناسبة أن تكون مرجعا للباحثين، وهو ما يوحي بالندية المتخاصمة، التي لا يبررها السياق المهني، بالطريقة التي تم عرضها.

خالفت قناة الجزيرة شعارها، المرفوع منذ أن ابتكره المخضرم جميل عازر ورشحه للقناة شعارا أبديا، (الرأي والرأي الآخر)، لأن ما شاهدناه على مدار يومين، كان فيها أخونا المتمكن جمال ريان "أبو مراد" وهو فلسطيني الأصل، يتبنى مع ضيوفه المنتقين، رأيا ويرفض رأيا آخر، والأصل كان طرح الرأيين ووقوف القناة منهما على مسافة واحدة، ليتحقق الشعار بالممارسة والتطبيق.

بدا من خلال عرض الحلقتين الأولتين من سلسلة كشف المستور، عبر اللغة التحريرية، والاستضافات ونوعية الأسئلة، وقسمة الرحمن للوقت المخصص للضيوف بالرد، مع عددهم وعدم التناسب في نوعية آرائهم، بالإضافة للقاءات الشارع والنخبة، عبر المراسلين، أن قناة الجزيرة لا تمارس تحقيقا صحفيا، بقدر ما تمارس محاكمة سياسية، وهو ما لا يصح، استنادا للمهنية. علما أن أحدا لا يطالب عاملي الجزيرة أو غيرهم بالحيادية، فالأصل ألا حيادية في العمل الصحفي المسيس عربيا، لأن لكل واحد ميله السياسي الخاص، ولكن المطلوب كان الموضوعية في المعالجة على أقل تقدير.

يرى الكثيرون أن ما جرى، ويتم عرضه وتناقل أصداؤه حتى الآن، عبر قناة الجزيرة، يمثل تحريضا صريحا على السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، بقيادتها المعروفة لدى الجميع، وهذا ما يقوله على الأقل المعنيون بالأمر فلسطينيا. وهنا يبدو أنه قد غاب عن ذهنية الجزيرة أو غيرها، أن أية كمية تحريض قد تضعضع أساسات نظام سياسي، أو تسقطه أحيانا إن توافرت المعطيات والظروف لذلك، ولكن التحريض مهما بلغ أوجه لا يسقط حركة تحرر وطني، مثلما لا زالت تلتزم م.ت.ف بنفسها، وتقول أننا بصدد الحلم في الدولة، التي إن وجدت سيوجد نظامها السياسي بالمفهوم العام.

ـ هل يصح وصف ما يجري بالمؤامرة؟إن ما قالته السلطة الوطنية ومن قبلها منظمة التحرير الفلسطينية، كمرجعية سياسية عليا، يختلف في يومه وتاريخه وظرفه وأسلوبه، عما قيل إبان التأجيل على تقرير غولدستون، إذ تم تقديم رواية متماسكة حتى الآن، تنفي ما يقال جميعا في كشف المستور، الذي بدا كثير منه معلوما، في حين تصف المنظمة ما يجري بالمؤامرة، وهو ما قد يتم اللجوء فيه للقضاء الدولي، كما بدأ البعض يتحدث في رام الله، في الأروقة الداخلية.

بينما هناك ظواهر أخرى تطفو بسرعة تلقائية، من خلال انبثاق تكتل فلسطيني جاذب لكل من يروا في نشر الوثائق التي تعرضها الجزيرة، فعلا سياسيا يستهدف الكيانية الفلسطينية، سيما وأن هناك استنفار على مستوى م.ت.ف وحركة فتح، وفصائل أخرى للرد، وكذلك من جملة كتاب وصحفيين، ما يتزامن أصلا مع تصريحات ومؤتمرات صحفية، رسمية وغير رسمية، تدافع عن شرعيتها، على اعتبار عدم براءة المنشور عن المستور الذي كُشف، وبدا استهدافيا أكثر منه إعلاميا.

أرسلها لكم تامر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق