الأحد، 21 فبراير 2010

حين ينام غيري


عندما ينام غيري ويصبح السكون سيد الدنيا ، تراني وقد تسللت الذكرى إلى مضجعي وأخذت مكاناً لها بجواري وصرت عندها أسمع ضحكاتي وصرخاتي ، أيام كنت طفلاً يلعب على شاطيء بحر غزة ، وموجة في البحر أعرف شقاوتها وتعرف هي شقاوتي ، كانت تلاحقني وأنا أهرب منها عندما أراها قادمة وأعود ألاحقها عندما تبدأ هي بالتراجع . صحيح أن أمواج البحر تتشابه لمن لم يتعلم مناجاة البحر ولغته ، لكني كنت عاشقاً ولهان وأغار حتى على موجة بحر كان بيني وبينها ألفة .

ليس المكان فقط هو الذي أفتقده وأحن إليه ، وإنما الذكريات المسلوبة أيضاً والتي أحلم بالعودة إليها يوماً .
هل لا زالت موجتي الحبيبة تأتي إلى الشاطيء ؟
هل هي الآن تداعب غيري ، أم أنها رحلت إلى غير مكان ؟
كنت أتمنى أن أعرف جواباً على كل هذا الذي يجول بخاطري ، لكن العالم والضمير والكل يصمت ويمزق بصمته دفاتر الذكريات ، وليس أمام الطفل إلا أن يعود ليحلم ويحلم أن يعود .

ما زلت أرى الخوف في عيون أمي ، وثوبها المبلل من كثرة الركض خلفي وهي تخشي علي من أن تأخذني معها ، موجة بحر إلى أعماقها . فهنالك موجات بحر ، لا تعرف أن الأطفال يحتاجون لتنفس هواء الحرية ، ربما يرجع ذلك لثقافة الجهل المترسخة لدى بعضها ، وحب الإمتلاك والسيطرة وإحتواء كل شيء لنفسها ، دون مراعاة مشاعر الأمهات اللواتي يخفن على أطفالهن من الضياع في غياهب سجون ، موجودة في ظلمات البحر الشاسع .

عندما ينام غيري وينصب الصمت خيامه ومضاربه في فضاء خيالي ، تجدني أتسلق شجرة برتقال ، أتفقد فراخ البلابل الصغيرة في عشها ، فهي الأمل الوحيد ، بأن يتبقى من يغرد ويحلق فوق ربوع الوطن ، عندما يُجبر الإنسان على الرحيل .

عندما ينام غيري وتنزل من السماء ملائكة الرحمة ، تسمع صوتي وأنا أتوسل هذا الإنسان بلا إنسانية ، أن يمسح الدموع من على وجنات أمي التي لا زالت تظنني ، ذاك الطفل البريء .
لقد كبرت يا أمي وكبر معي حلم العودة إلى أيام الطفولة .. ربما أعود .. فمن يدري

قلم- أحمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق