في ذكري النكبة ميتشيل يستقيل وواشنطن ترقص علي أنغام اسرائيل

 
" ايرلندا ليست الشرق الأوسط " فما نجح ميتشيل في أن يفعله في السلام بايرلندا، لم يتكرر على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، فبعد 842 يوما من توليه مهام منصبه أعلن الرئيس الأمريكي، باراك اوباما قبوله استقالة المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط، جورج ميتشيل، وتعيين نائبه ديفيد هيل خلفا له حاليا.

ويأتي ذلك وسط اتهامات للإدارة الأمريكية بالفشل في التوصل إلى تسوية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على مدى عامين قضاها ميتشيل كمبعوث أمريكي، خاصة وأن محادثات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل متوقفة منذ الثاني من أكتوبر الماضي بعد أربعة أسابيع فقط من إطلاقها برعاية أميركية، بسبب إصرار إسرائيل على مواصلة بناء المستوطنات.

تغيير السياسات الأمريكية

السلطة الفلسطينية من جانبها رحبت على لسان المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، بأي مبعوث أمريكي رسمي يتحدث باسم الإدارة الأمريكية ما دامت ملتزمة بدفع عملية السلام إلى الأمام، كما أشاد الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز بإلتزام ميتشيل في السعي لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، في حين تبادل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو والدكتور صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الاتهامات بمسؤولية الآخر عن إفشال مساعي ميتشيل للسلام .

ومن جهة أخرى، قلل عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنا عميرة ، من أهمية تعيين مبعوث أمريكي جديد للسلام في الشرق الأوسط، بعد الإعلان عن استقالة جورج ميتشيل، وشدد على وجوب "التغيير الجدي" في السياسات الأمريكية لتحقيق السلام العادل في المنطقة.

استقالة ميتشيل صاحبها تبرير بوجود أسباب شخصية وراء تلك الاستقالة، حيث أعلن الرئيس الأمريكي أن ميتشيل كان قد حدد مدة العامين فقط كحد أقصى لتوليه هذا المنصب، إلا أن توقيت الاستقالة التي أتت في ظل ظهور العديد من المتغيرات أبرزها على الساحة الفلسطينية الدعوة إلى الانتفاضة الفلسطينية الثالثة والتي تزامنت مع إحياء ذكرى النكبة، والتهديدات الإسرائيلية للفلسطينيين بالرد بعنف إذا ما ذهب الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة للمطالبة بالاعتراف الدولي بدولة فلسطين المستقلة، وهو ما يزيد من التعقيد الذي تواجهه عملية السلام، ما جعل من الأسباب الشخصية للاستقالة أمرا غير مقنع.

خاصة وانه ومن المنتظر أيضا أن يزور كل  من العاهل الأردني، عبدالله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو الولايات المتحدة حيث يلقي الأخير خطابا أمام جلسة مشتركة للكونغرس ويلتقي الرئيس الأمريكي يوم الجمعة المقبل، وتقول مصادر إسرائيلية إن ثلاث نقاط سوف ستهيمن على الخطاب الذي سيلقيه نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي يوم 24 مايو الجاري.

وهذه النقاط تشمل : عدم شرعية الاتفاق الذي أبرمته السلطة الفلسطينية مع حركة حماس ما لم تعترف الأخيرة بحق إسرائيل في الوجود وإقامة آلية رقابة للتأكد من أن الأموال التي تحولها الدول المانحة للسلطة لن تتسرب الى حركة حماس ووجوب امتناع المجتمع الدولي عن تأييد الخطوة الفلسطينية الأحادية بإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة في شهر سبتمبر المقبل.

كما انه من المقرر أن يلقي أوباما خطابا مرتقبا إلى العالم العربي والإسلامي، الخميس المقبل أي قبل يوم واحد من خطاب نتنياهو ويتناول خلاله سياسة الولايات المتحدة تجاه ما يحدث من تغييرات في العالم العربي وأيضاً عملية السلام في الشرق الأوسط، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى التخلي عن ميتشيل لمواكبة السياسات الجديدة التي من المتوقع الإعلان عنها خلال خطاب الرئيس الأمريكي، خاصة وانه لم ينجح في تحقيق نتائج ملموسة خلال فترة عمله.

شعور ميتشل بالاشمئزاز

يبدو أن رغبة واشنطن في وضع إستراتيجية جديدة تدير من خلالها القضية الفلسطينية ليس هو السبب الرئيسي وراء استقالة ميتشيل فقد سبقها المواجهة غير المعلنة بين ميتشيل من ناحية ومسؤول شؤون الخليج والشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي دينس روس  من ناحية اخرى، بشأن رؤية كلا منهما للشكل الذي يجب أن تكون عليه السياسة الأمريكية في معالجة القضية الفلسطينية .

ففي الوقت الذي رأى فيه ميتشيل أهمية أن يكون للإدارة الأمريكية موقفا رسميا تسعى من خلاله إلى حلحلة الأوضاع في الشرق الأوسط على المسار الفلسطيني يقوم على عدم شرعية اغلب المستوطنات التي يقيمها الجانب الإسرائيلي، وإعلان القدس كعاصمة للدولتين، عارض روس هذا التوجه بسبب أن موقف كهذا سيوجب على  تل أبيب وواشنطن الالتزام برؤية للسلام لم يتم التوصل إليها عبر المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي .

وفي هذا السياق أيضا أكد المحلل السياسي، هاني مصري، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، أن استقالة ميتشيل جاءت لان الرئيس الأمريكي لم يتخذ موقفا قويا بشأن الصراع بتقديم خطته الخاصة، لذا فالاستقالة مصحوبة على ما يبدو بشعور بالاشمئزاز من سياسة أوباما في الشرق الأوسط .

وأضاف المصري أن أوباما قد فضل الاستماع إلى  النصيحة التي قدمها له دينيس روس، أحد أعضاء الفريق الأميركي للسلام في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة ومبعوث أوباما لإسرائيل  حيث لم يرغب في مشاركة أوباما بتقديم مبادرته الخاصة خوفا من أن يقلق ذلك إسرائيل.

هزيمة ميتشل

مسؤول دراسات الشرق الأوسط في معهد "نيو أميركا فاونديشن" ستيف كليمونز، علق على إعلان ميتشيل الاستقالة قائلا أن هزيمة ميتشيل كانت منذ نوفمبر 2010 حين تخلت الإدارة عن المطالبة بالتجميد التام للاستيطان على نحو ما سبق أن أعلنت، مشيرا إلى أن الإدارة الحالية ليس لديها أي تصورات لما ينبغي عمله تجاه توقف المفاوضات أو حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية وتجاه عملية السلام بصفة عامة ومواصلة إسرائيل بناء المستوطنات ورفضها لتبني أي موقف مرن وما ينوي الفلسطينيون القيام به في سبتمبر المقبل في الجمعية العامة، ويعني ذلك أنه لم يعد لميتشيل عمل يؤديه.

وبغض النظر عن استقالة ميتشيل في الوقت الحالي أو طبيعة من سيخلفه في هذا المنصب، أو ماهية الإستراتيجية الجديدة المتوقع إعلانها خلال خطاب أوباما الخميس المقبل ، فالحقيقة الواضحة للجميع هي عدم إمكانية التوصل إلى أي تسوية مع استمرار الازدواجية التي تستخدمها واشنطن في التعامل مع القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل فما يحدث لن يقدم أو يؤخر فميتشل الذي قاد مفاوضات السلام في أيرلندا الشمالية، بناء على طلب من حكومتيْ المملكة المتحدة وأيرلندا، وأسفرت جهوده التي استمرت عامين، عن التوصل إلى اتفاق تاريخي أنهى صراعا داميا بين الجانبين امتد لعدة عقود، فشل في الشرق الأوسط لان إسرائيل باختصار لا تريد السلام، والفلسطينيون في ذكرى النكبة يعدون  لانتفاضة ثالثة .